الصدمات النفسية
هنالك مقولة تقول: “الصدمات تُعيد تشكيل هويتنا وشخصيتنا”
عدد كبير من الأشخاص الذين تعرضوا لتجربة فقد أو لصدمة نفسية, أصبحوا أشخاص مختلفين تماماً.
وربما لم يعودوا إلى ما كانوا عليه أبداً
كيف تفعل بنا الصدمات ذلك؟
ما هي الآثار النفسية الأخرى الناجمة عنها؟ وكيف نعالجها؟
ومتى يجب أن نستشير مختص ؟
هذا ما سوف أتناوله في هذا المقال.
الفقدان والصدمات النفسية جزء لا يتجزأ من هذه الحياة, وغالباً ما يكون تأثيرها هائلاً.
فقد محبوب, الوقوع ضحية لعنف أو جريمة, المعاناة من مرض مزمن, العيش وسط خبرات صادمة أو في منطقة حرب, أو حتى فقدان وظيفة أو إهمال أفضل صديق لنا, يمكن أن يسبب لنا جرحاً نفسيّاً حاداً.
هناك صدمات نستطيع تجاوزها بمرور الوقت, ولكن هنالك بعض الصدمات تكون عميقة وتحتاج علاجاً, فالآثار النفسية الناجمة عنها خطيرة جداً.
فالصدمات والفقدان يمكن أن تحطم حياتنا, تقضي على علاقتنا, تزعزع إيماننا ومعتقداتنا, وتخرّب هويتنا بالكامل.
كيف يحدث ذلك ؟؟
في الأيام الأولى التي تتلو الفقدان أو الصدمة, نبدأ بالشعور بضيق شديد يمكن أن يصيبنا بالشلل التام, ومع كل خطوة نخطوها في حياتنا الجديدة بعد الصدمة, نشعر بالألم كمن يمشي على أرض مفروشة بالزجاج.
ماذا نفعل؟؟
ابدأي بتسكين ألمك النفسي.
حاولي الحصول على الدعم من الأشخاص المقربين من حولك, ربما سترفضين في البداية وجود أحد حولك, لكن الدعم يمكن أن يكون مفيداً جداً بالنسبة لك.
في حال عدم رغبتك على الحصول على الدعم أو في حال فقدان مصادر الدعم, يمكنكِ كتابة مشاعرك و أفكارك على الورق, فمن شأن ذلك أن يشعرك ببعض الراحة ويخفف من ألمك.
من الأشياء الخاطئة التي يقومون بها بعض الأشخاص أثناء مساندة من يعاني من صدمة نفسية أو تجربة فقد, هو إخبارهم بالتوقف عن الحزن.
الشعور بالحزن في هذه الفترة هو استجابة نفسية طبيعية لهذه الظروف الشديدة, وليس اضطراباً نفسياً, وغالباً ما يخف هذا الحزن بمرور الوقت.
بعض الأشخاص يُجبرون الشخص المتعرض للصدمة على الحديث عن مشاعره وأفكاره كنوع من تسكين الألم النفسي, لكن هذه الفكرة ليست فكرة جيدة دائماً !!
معظم الخبراء حاليا يقولون أنه لا توجد طريقة صحيحة للتعامل مع حالات ما بعد الفقدان والصدمة, لذلك لا تدعِ أحداً يجبركِ على التحدث عن ما حدث معك إلم ترغبي بذلك, لكن في حال أنك شعرتِ بالرغبة في التحدث, افعلي ذلك.
قومي بما تجدينه مريحاً لك.
• استعادة شخصيتنا بعد الصدمة
الصدمات النفسية يمكن أن تحدث فوضى كبيرة في حياتنا, ويمكن أن تجعل منّا أشخاص مختلفين عما كنا عليه سابقاً.
لذلك عند التعرض للصدمات القوية, عادة ما نكون بحاجة إلى هوية جديدة.
لماذا تؤثر الصدمات على هويتنا الشخصية؟؟
كل إنسان “يعرف نفسه” من خلال “دور” معيّن في هذه الحياة.
فالبعض يعرف نفسه من خلال عمله, والبعض من خلال دوره كأب\أم, والبعض من خلال تمتعه بصحة جسدية ونشاط عالي.
وعندما نفقد ذلك الدور المهم بالنسبة لنا, نكون بحاجة إلى إعادة اكتشاف شخصيتنا من جديد, لكي نبحث داخلنا عن أشياء ذات معنى, ولكي نجد طرقاً جديدة للعيش في نفس الدور أو البحث عن دور مختلف.
كيف نستعيد ذلك الدور من جديد؟؟
سوف يساعدكِ هذا التمرين على تحديد الأدوار التي ربما فقدتها, من خلال إيجاد طرق جديدة للتعبير عنها.
1- قومي بكتابة صفاتك وقدراتك التي تقدرينها ويقدرها الآخرون بك, قبل وقوع الحدث المؤلم.
مثال: التفاؤل, التعاطف, الانجاز, الكرم, المثابرة.
2- حدّدي الصفات التي تشعرين بعدم وجودها في حياتك اليوم أو التي تميل إلى أن تكون قليلة.
مثال: التفاؤل, الانجاز, المثابرة.
3- اكتبي عن كل صفة في قائمتك فقرة قصيرة تصفين فيها سبب شعورك باختفاء هذه الصفة.
مثال: الانجاز: اصبحت أشعر بأنني غير قادرة على الانجاز بعد أن فقدت عملي الذي قضيت فيه سنوات طويلة.
4- اذكري في تلك الفقرة الأشخاص أو الأنشطة التي من المحتمل أن تمكنك من استرجاع تلك الصفة.
مثال: القيام بالعمل التطوعي سوف يمنحني شعوراً جيداً بالقدرة على الإنجاز, طلب المساندة من صديقتي التي شجعتني على التقديم على عمل جديد.
5- قومي بترتيب الصفات طبقاً لقابليتها للتنفيذ والتحكم فيها عاطفياً.
6- ضعي لنفسك هدفاً مريحاً من القائمة, حتى تعملي عليه بأُفضل ما يمكنك.
مثال: سوف اذهب مع صديقتي للتطوع في صنع الطعام للمحتاجين.
القيام بهذا التمرين يكون بعد عودتك إلى حياتك الطبيعية (العمل,القيام بأعمال المنزل …الخ)
الصدمات النفسيّة والإيمان
أحياناً يكون إيمان الشخص قويّاً جداً, لكنه مع ذلك يهتز قليلاً بعد التعرض للصدمة.
أبسط سؤال يمكن أن يخطر له: لماذا حصل ذلك لي أنا بالتحديد ؟
الصدمات النفسية يمكن أن تهز معتقداتنا الراسخة داخلنا, وذلك يجعلنا مضطربين أكثر, فنحن لا نريد أن نفقد إيماننا, وبنفس الوقت نريد تفسير, نريد أن نعرف الهدف والحكمة من وراء ما حدث معنا.
يوجد نوع من أنواع العلاجات النفسية قائم على العلاج بالمعنى.
فالعثور على معنى كان عاملاً حاسماً في التعافي من كل أنواع الفقدان والصدمات التي تمت دراستها.
فهو يمكّن الإنسان من اكتشاف النعم من داخل الألم, والأشخاص الذين ينجحون في ذلك يميلون لإظهار قدر كبير من الراحة النفسية أكثر من الذين لا يستطيعون ذلك.
كيف نتوصل إلى معنى من الأحداث المأساوية؟
من الطرق الأكثر شيوعاً هي اتخاذ إجراءات ترتبط مباشرة بخبرة الفقدان أو الصدمة التي تعاني منها.
فقد يبدأ أفراد أسرة شخص قد مات بمرض نادر ببناء مؤسسة أو إنشاء صفحة على وسائل التواصل لزيادة الوعي بذلك المرض.
هذه الفكرة تحديداً وجدتها مُطبّقة بشكل عملي عند كثير من أمهات الأطفال المصابين بالتوحد, شاهدت أم قامت بمشاركة تجربتها خلال مواقع التواصل, وشاهدت أم أخرى قامت بفتح مركز لأطفال التوحد, وذلك ساعدهم كثيراً على تخطي تلك الصدمة.
وقد يقرر أحد الناجين من اعتداء جسدي أو نفسي تعلم فن الإلقاء والقيام بمحاضرات تثقيف الآخرين عن كيفية التعامل مع مثل هذه الاعتداءات.
يوجد تدريب يمكن أن يساعدك على إيجاد النعم من الحدث الذي حصل معك
تخيّلي أنك بعد عشر سنوات في المستقبل, تخيّلي أنك قد حققتِ شيء مفيد ومهم.
وفي لحظة هدوء انظري إلى الوراء, وفكري في رحلتك وكيف أنها أدت بك إلى هذه اللحظة الحالية, وأكملي الجمل التالية:
1- لم أتخيل قط أن مثل هذه الأحداث المأساوية قد تؤدي بي إلى أن…….
2- تلك الصدمة جعلتني أغيّر من أولوياتي مثل……
3- التغيير من أولوياتي أدى بي إلى إحداث التغييرات التالية في حياتي……
4- على طول الطريق أدركت أن هدفي في الحياة هو ……..
وأخيراً…
يظل الوقت أكثر أنواع العلاج فاعلية, الوقت يشكّل عامل مهم بشكل كبير في علاجنا, فنحن نبدأ غالباً بالتعافي من أشد مراحل الحزن شدة ونتكيف معه بعد 6 أشهر.
لذلك تذكري دائماً أن كل شيء سيمضي.
• متى أستشير أخصائي نفسي؟
عندما تؤثر الصدمة في حياتك بشكل بالغ وأساسي, إذا كنت تعانين بشكل متكرر من تذكر لاإرادي لأحداث الماضي, تشاهدين الكثير من الكوابيس المتعلقة بالصدمة, أو فكرتِ بإيذاء نفسك, وقمتِ بتطبيق جميع هذه الطرق بشكل جيد ولم تتجاوزي تلك الصدمة ينبغي أن تقومي بمراجعة مختص.